الأفلاج في مدينة العين
أعدّه: الدكتور/ أمان الدين محمد حتحات
جامعة الإمارات العربية المتحدة
كانون الثاني/ يناير2004
المحور الأول:الأفلاج؛تاريخها وأنواعها
أولاً: تاريخ الأفلاج
1 ـ تعريف الفلج
بدايات الفلج عند الإنسان :
الفلج الذي نعنى به في دراستنا هوعبارة عن مجرى ماء صغير محفور بيد الإنسان وليس طبيعياً .
الفَلَجَ- لغة – نهر صغير، والجمع: أفلاج. والجمع : أفلاج. والفلج أيضاً: تباعد ما بين الأسنان، والفَلَج: الساقية ، التي تجري.
الأفلاج مفردها ((فلج)) ولها عدة معان، فمن الناحية اللغوية تعني كلمة فلج: شق الأرض، والجدول المائي القصير، والقناة التي تروي المياه.
وكذلك تعني الظفر والفوز إذ يقال: فلج على خصمه من باب نصر، وأفلج الله عليه،
وهكذا نكتشف : أن جمع المعاني تتفرع من معنى واحد هو القسمة والتنصيف للأرض والمياه والمجاري.
وللفلج أسماء كثيرة ففي إيران يسمى القناة وفي العراق يسمى الكهريز، بينما في الإمارات وعمان يسمى الفلج.
والفلج يعني بئراً رئيسياً حفر في المناطق الجبلية إضافة إلى عدة آبار أخرى بجانبها في المياه الجوفية ثم تم الوصل بين قاع الآبار من تحت الأرض بشكل انحداري يسمح بجريان مياه الآبار بين البئر الأول وحتى البئر الأخير ثم حفرت قناة من تحت الأرض حتى يصل إلى سطح الأرض
قال أبو عبيدة : سألت الأصمعي عنها وأهل العلم من أهل الحجاز.
فقالوا : هي آبار متناسقة تحفر ويباعد ما بينها ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة تؤدي إلى الماء من الأولى إلى التي تليها تحت الأرض. فتجمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فتصبح على وجه الأرض.
تعدّ أنظمة الريّ المعروفة بالأفلاج منظومة متكاملة من الأساليب والطرق التي اتبعها الإنسان ليحافظ على بقائه أمام تحدي الطبيعة له.
تحديد المكان الذي ابتكرت فيه. فقيل : إيران وقيل: في بلاد الإغريق أو في مصر الفرعونية أو روما أو الهند أو غيرها. ثم نقلت في عصور تالية – مع امتداد معالم الحضارة – من مكان إلى آخر.
إلا أن الآثار المكتشفة في نصف القرن الأخير أشارت إلى أن المكان المرجح هو المنطقة العربية الواسعة على القارتين الآسيوية والأفريقية من بقاعها. وإن العرب هم الأقدم في المنطقة كانوا أكثر من قاسى من أزمة الجفاف.
2 ـ عروبة الأفلاج
* كلما تقدم الإنسان في نموه،كانت حاجته إلى التلاحم مع الآخرين أكبر، للقيام بعمل مشترك مع الآخرين؛ ذلك لسببين:
1ـ الأول حياتي مرتبط بالماء والغذاء معاً. وهذا ما كان يدفعه للتعاون في حفر البئر ونقب النفق وبناء القناة أوالحوض.
2ـ الثاني لسبب أمني يحمي به أرضه أو قطيعه أو منجمه.
ليست الأفلاج مبتكرات حديثة وافدة مع الغزاة في غضون الألف الأخير قبل الميلاد كما يقول البعض، بل قديمة قدم الإنسان العاقل الأول، الذي كان الإنسان العربي الأول وريثه الطبيعي في المنطقة ويؤكد معظم المؤرخين والخبراء أن هذا الإنسان (العربي الأول ) كان من أوائل من اكتشف تدجين الحيوان والزراعة مثلما اكتشف معها علاقتها الوثيقة بالماء والجفاف فاستثمر ما اكتشفه خلال حياته البدائية الأولى للتلاؤم مع البيئة التي أقام بها والتي كانت مطيرة غنية بالمنابع والأنهار والبحيرات والمساقط والأشجار فلما تبدلت ظروفها الطبيعية ( الجيولوجية والتضاريسية والمناخية ) بعد انحسار موجة الجليد الرابعة وتعرض الإنسان العربي ومنطقته لفتراتٍ طويلة نسبياً من الجفاف والتصحر وقلت موارده المائية التي هي أسُّ الحياة كان لابد له من أن يستخدم كل خبراته لأن : ( الحاجة أم الأختراع)
ووجود المناخ الفصلي للأمطار تسبب في وجود فصل للجفاف يهدد الزرع والسكان بالعطش، فيضطر الإنسان للبحث عن الماء، الأمر الذي يدلّ على أن أنظمة الري – هذه – محلية لا وافدة .
وهكذا فالفلج: ليس نظاماً حديثاً مستجداً، أحضره الفرس أو الرومان في حقائبهم عند الغزو،بل أقدم من تاريخ قدوم الغزاة، أياً كانت أسماؤهم، بأكثر من ألفي سنة على الأقل. والسبب: هو أن عملية ابتكاره مرتبطة بالبيئة المحلية وخصائصها، وليس بإدارة الأقوام الطارئة .
الأفلاج( القنوات )
وما الأفلاج في عمان وأقنية انطاكية وحلب وتونس، على سبيل المثال، إلا تأكيد مازال إلى اليوم يشهد على هذه المقولة، مقولة أن أنظمة الري هذه هي من ابتكار سكان المنطقة، وأنها وجدت من قبل مئات بل آلاف السنين قبل أن يأتي الفرس أو الرومان إلى هذه المنطقة.
3 ـ صراع من أجل البقاء
أهمية الماء في حياة العرب
عرف الإنسان الأول حاجته الملحة إلى الماء عند اكتشافه الزراعة ومدى اعتماد حياته على الماء وازدهارها بوجوده وموتها بفقده فجاهد لإيصاله إلى مستوطنته بشتى الطرق المبتكرة والأساليب المتطورة حتى اهتدى إلى أعقد هذه الأنظمة في مؤسسة الفلج ذات الأقنية والأنفاق الخفية حيث منظومة متكاملة من الأساليب والطرق والأدوات التي ابتكرها الإنسان الأول بعد اكتشافه للنار والزراعة وتدجين الحيوانات. عندما – أو بعدما – داهمه الجفاف والتصحر بعد انحسار موجة الجليد الرابعة التي خفت بعدها الأمطار في مناطق استيطانه وافتقد الماء الذي به كل شيء حي فراح يبحث عنه في مواضع أخرى.
كان ذلك كله بُعَيْد التبدلات الجذرية الأخيرة ، نتيجة انسحاب موجة الجليد الرابعة، إلى مواقع جديدة في الشمال وانسحاب مواقع هبوب الرياح الغربية العكسية الممطرة معها إلى الشمال،
وأخذ الجفاف ، يداهم معظم السهوب الجنوبية الغربية الخضراء ، فبدأت تتحول إلى صحارى وأشباه صحارى وعجزت عن مدّ سكانها المتكاثرين، بحاجتهم من الماء والغذاء فكان لابد لهم، أن يبذلوا من الجهد المتميز والعمل المبتكر ، ما يعوض بعض هذا النقص، إما بالبحث عن وسائل مبتكرة، تمكنهم من الحصول على الماء، أو بالهجرة إلى أماكن أخرى، أنسب لهم، من مواطنهم التي عمّها الجفاف.
4 ـ أساطير بناء الأفلاج
لا توجد أية معلومات دقيقة موثوقة لدى أبناء المنطقة عن تاريخ بناء الأفلاج ، وكثير من أبناء المنطقة يقولون بأني نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام سخر الجن لبناء هذه القنوات، وإن هناك أسطورتين حول ذلك.
فالأولى تقول: عندما كان النبي سليمان بن داوود عليه السلام في إحدى رحلاته وهو في طريقه إلى البيت المقدس، رأى قلعة ((سلوت)) في عمان وطلب من الهدهد أن يتحرى عنها، فأخبره الهدهد بأن القلعة خالية، فنزل فيها داوود ووجد سكانها من البدو وليس لديهم ماء، فأمر الجن التي في طاعته أن تبني له ألف قناة في كل يوم من أيام إقامته والتي استمرت عشرة أيام، ومن يومها أصبح في عمان عشرة آلاف قناة.
أما الأسطورة الثانية فقد كان أبناء مدينة العين قد رووها لمحرر مجلة الهلال المصرية وجاء فيها:
بأنه أثيرت حول الأفلاج القديمة في العين أساطير وحكايات كثيرة، وأن معظم الأهالي وخاصة كبار السن يعتقدون بأن النبي سليمان بن داوود وجنوده من العفاريت قاموا بصنع تلك الأفلاج في العصور القديمة.
رواية ثالثة أن النبي سليمان بن داوود عليه السلام كان يطير ببساط الريح، ومر على فلاح يحرث أرضه بثور ضخم. وما أن رأى الثور سيدنا سليمان عليه السلام حتى توقف عن الحرث، فسأله الفلاح مندهشاً:
أيها الثور لماذا امتنعت عن الحرث؟ إنه لا يستحقق منك كل هذا التبجيل، فهو إنسان بخيل؟. وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلام هذا الفلاح، فنزل ليسأله : لماذا تصفني بالبخيل؟. فقال له الفلاح : لأنك تركت جنودك يشربون معنا ومياهنا بسيطة دون أن تنصحهم بالبحث عن مكان جديد للمياه، فقال له سيدنا سليمان عليه السلام: ولكني لاأعرف أين توجد منابع المياه الجديدة، فقال الفلاح لسيدنا سليمان عليه السلام: طائر الهدهد يستطيع أن يسمع الماء ويدلك على مكانه، وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلامه، واستعان بالهدهد وبالعفاريت من جنوده الذين أخذوا يبنون تلك الأفلاج ذات الأحجار الكبيرة في منطقة صحراوية تبعد الجبال عنها عدة كيلو مترات، ثم كيفية جلبها وبنائها ووضعها تحت الأرض.
وهناك قصة تقول: إنه في عهد الاحتلال الفارسي لعمان الكبرى جلب الفرس العمال المهرة من فارس لبناء هذه الأفلاج أثناء حكمهم للمنطقة، وذلك لسد احتياجاتهم من المياه العذبة، ولري المزارع المستخدمة لخدمتهم.
بعض الأقاصيص التي لا تستند إلى شاهدٌ أو أثرٌ، منها: أن الملكة هيلانة ، بنت لها أقنية وجدراً
5 ـ الأفلاج بين الجزيرة العربية والبلاد العربية
الحقيقة أن بناء الأفلاج أو حفرها يعود للألف الثالثة قبل الميلاد. اعتماداً على آثارها الباقية.
وكان سكان تلك المنطقة مهيَّئين بحكم مواهبهم الفطرية كغيرهم من الشعوب
منذ آلاف السنين لمعالجة هذه المشاكل الطارئة في مواعيدها .. وإلا تعرضوا للفناء ، بسبب الجوع والعطش.
والأفلاج موجودة في مختلف أجزاء المنطقة العربية، في شمال غرب السعودية في تيماء، وفي فلسطين وكذلك في المغرب العربي وللأستاذ محمود منسي في مجلة العربي الكويتية في عام 1997 مقالة جاء فيها : ( تحت حواري فاس ترقد قنوات للمياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت
وقد كتب( بيتر فاين ) : حقائق مماثلة عن مستوطنات أقيمت في عمان، اعتماداً على ما تم اكتشافه من مستوطنات الصيادين في منطقة ( رأس الحمراء ) قرب مسقط. أو ما اكتشف في ( هيلي – منطقة أبو ظبي) إلى جوار منطقة الظاهرة في عُمان. والتي أثبت فيها المكتشفون: إنها كانت تزاول الزراعة ، وتسقي مزروعاتها بالمياه، التي تجرها إلى هذه المستوطنات، وكمثال على قدم هذه المستوطنات وضلوعها محلياً في الزراعة أنه قد ثبت بالآثار المكتشفة: أن ( الذرة الرفيعة ) مثلاً، كانت تزرع محلياً، بكثرة ، ولم تكن مستوردة كما ظن بعضهم. وأن الآثار المكتشفة يرجع بعضها إلى العصر الحجري الحديث، قبل 9500 سنة .. وأن الصيادين كانوا يستخدمون موقع ( رأس الحمراء ) حوالي عام (6000 ق . م) وما بعدها ، وكانت المنطقة مكسوة بالغابات ( من أشجار القرم ).. وقد دلت الكشوف في مناطق متعددة من شبه جزيرة العرب، على انتشار تقاليد مشابهة. كما أكدت عمليات تحديد العمر، في موقع رأس الحمراء ، أنه كان مأهولاً طوال فترة الألف الخامس ق. م.
وكتب المهندس البلجيكي ( أندره ستيفن – Andre Stevens ) قائلاً : (( إن فكرة استيطان)) الإنسان لأرض عُمان وزراعتها بواسطة الأقنية قد وجدت آثارها، منذ الألف الثالثة ق.م: وقد أصبحت هذه المعارف من الأمور المسلم بها – اليوم – كحقيقة ثابتة. ففي عام 1973 : حددت بعثة ( هارفارد) عشرين موقعاً كان مأهولاً ومزروعاً .
وكانت البلاد تتمتع بمناخ أكثر رطوبة منذ (12 ) ألف سنة. لذلك كان مجتمعاً مركباً من المزارعين وسباكي المعادن. وأن المركز الرئيسي في هذا العصر كان في واحة البريمي ذات الموقع الممتاز والمياه الغزيرة.
استعمل سكان الصحراء القدماء أنفاقاً تحت الأرض حتى لا تتبخر المياه في أثناء مرورها تحت سطح الأرض نتيجة تعرضها للشمس، مما يعني التبخر وفقدان الكثير منها،وهي ما زالت قائمة سواء في فارس أو في الإمارات وعمان أو في حضرموت وفي العراق وبلاد الشام والمغرب العربي.
لقد حفر السكان الآبار في المناطق المرتفعة، ثم حفروا الأنفاق لجر مياهها بالراحة، إلى الأرض التي تقع في مستويات أدنى .. حتى ظهرت الأنفاق وقنواتها على سطح الأرض التي تقع في مستويات أدنى .. حتى ظهرت الأنفاق وقنواتها على سطح الأرض متحولة إلى مجرى مكشوف ، والتي ظل واحداً من أقدمها – وهو كنعاني – يعمل في فلسطين منذ الألف الثالث ق.م،
وفي فلسطين مازالت عين جيحون الباقية حيث كان الكنعانيون قد وفدوا في موجة الهجرة من شبه جزيرة العرب، قديماً جداً يقول د. أحمد سوسة : (( إنهم : من أقدم من وفد إلى بلاد الشام ، وإنهم استقروا فيها – ساحلاً وداخلاً – وبنوا المستوطنات والحصون، حيثما أقاموا. ومن جملة حصونهم التي شيدوها، في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد :
( النفق الطويل الذي حفروه في بلدة جازر الكنعانية ) الواقعة على بعد ( 35) كم إلى الشمال الغربي من ( أورشيلم الكنعانية اليبوسية ، القدس الحالية )، للوصول إلى ينبوع من الماء يقع تحت سطح الأرض.
لقد حفروا نفقاً للوصول إلى تلك العين، على حافة ( وادي قدرون ) المعروف بوادي ستي مريم – حالياً ويمتد النفق مسافة (17 ) ياردة إلى الغرب ، بين العين والحصن، وأهم مافي هذا الأثر القديم النفق الذي حفره اليبوسيون تحت الأرض لجرِّ مياه النبع في قناته. وهذا يبرهن على ابتكار هذه الوسيلة ( التقنية ) البارعة، إنما تمَّ من قبل العرب الكنعانيين في ذلك التاريخ، إن لم يكن قبل ذلك. وهي – والحالة هذه – وسيلة أقدم من أي غزوٍ خارجي للمنطقة العربية. أياً كان مصدرها وبذلك نصل إلى أمور عدة، أبرزها:
* قدم حفر الأنفاق عند العرب والعرب الكنعانيين
* كل هذه الحقائق التاريخية تمت قبل الغزو الفارسي بألفي سنة.
* قبل الغزو المقدوني بألفين وثلاثمائة سنة.
* قبل الغزو الروماني بألفين وخمسمائة سنة.
* قبل وصول العبرانيين ( اليهود ) بألف وثمانمائة سنة.
وقد أشار إلى ذلك علماء الآثار الصهاينة إلى أن المنطقة ـ أعني منطقة القدس ـ كانت مهمة ومتطورة، قبل عهد الملك داود. واستند العلماء في إعلانهم إلى عمليات التنقيب التي أجروها في القدس الشرقية طوال عامين، وأدت إلى اكتشافهم نظاماً معقداً لجر المياه وصفوه، بأنه (( أحد الأنظمة الأكثر تعقيداً وحماية في الشرق الأوسط )) وبأنه يرجع إلى 1800 سنة قبل الميلاد أي إلى ما قبل عهد داود بـ 800 سنة حيث كان يحكم القدس اليبوسيون الكنعانيون وهم بناتها الأوائل.
و قال جدعون أفني مهندس في هيئة الآثار في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائلية 23/ 7 / 1998:
(( إن القدرة على إقامة هذه الأسوار وشبكة المياه الدقيقة التي لا مثيل لها في المنطقة تدل على قيام مدينة كنعانية مُحصّنة ومحكمة قبل ألف سنة من قدوم أبناء إسرائيل إلى كنعان. ولا شك أننا سنحتاج الآن إلى تغيير كل ما تعلمناه، وأن نعيد مجدداً كتابة تاريخننا )).
ثانياً: أنواع الأفلاج
تكوين الأفلاج :
الأفلاج: جمع فلج، وهي القنوات: ومن تعريفاتها أنها نبع ماء جوفي يتفجر في أعماق بئر يحفر خصيصاً للوصول إلى مستوى الماء الجوفي المختزن في طبقات الصخور الرسوبية(المسامية) ،. والمحصورة بين طبقات من الصخور الكتيمة ( غير المرشيحة Impermeable )التي لا تسمح للماء المختزن بالنفوذ من مواضع اختزانه . فيظل حبيس مواضعه آلاف السنين ويعرف بـ ( مستوى الماء الجوفي
وبئر الفلج ( أو القناة ) - هنا – ليس بئراً عادياً: ينزح ماؤه بالدلاء أو ( القواديس )، وإن كان – في أول الأمر – كذلك. إذ أدخلت عليه بعض التعديلات ( أو المحسنات ) أو الإضافات عصراً بعد عصر عبر آلاف السنين
تعريف دقيق لبنية الفلج
إن الفلج في الوضع الراهن – مجرد حلقة من حلقات تطورية متتالية يرتبط سابقها بلاحقها ويكون آخرها نتيجة طبيعية أو تتمة لأولها و يرتبط سابقها بلاحقها ويكون آخرها نتيجة طبيعية أو تتمة لأولها. إذ قاد حفر البئر وصعوبة رفع مائه إلى ابتكار حفر النفق بميل خفيف يسهل جريان ماء البئر فيه بالراحة في أقنية حجرية شبه أفقية تم بناؤها على امتداد النفق تمتد من البئر الأم المرتفع حيث منبع المياه إلى الأرض المروية في مستوى منخفض بحيث يتاح للماء أن يجري بالراحة حتى يصل إلى نقطة على سطح الأرض تصبح فيها القناة مكشوفة كالمنبع أو الغدير وتكون – قبل ذلك – قد اخترقت طبقات الصخور غير المرشحة ( الكتيمة ) التي كانت تحصرها في مخازنها الجوفية . ويستمر جريان ( القناة أو الساقية أو النهير ) الحر مكشوفاً وعلى الراحة حتى تصل إلى أرض القرية التي أنشئ الفلج ( أو القناة ) لإروائها.
فالفلج ( أو القناة ) : يضم شبكة من الأنفاق والأقنية الرئيسية والفرعية. مع فتحاتها ومدرجاتها – أحياناً – مصممة خصيصاً لأداء هذه الوظيفة .
والمهم عند تعيين مكان حفر البئر أن يكون في موقع أكثر ارتفاعا ًمن المستوطنة أو الأرض التي يراد ريها لكي يتاح جرها عبر الأنفاق شبه المستوية مع ميل بسيط نحو الأسفل . و تحفر هذه الآبار في المنحدرات العليا للسفح أو الهضبة ولكن أنفاقها تنتهي عند أسفل السفح مخترقة طبقات الصخور التي تعترضها وقد يكون ابتداء حفر الأنفاق من النقطة المقدرة لنهايتها ثم يسير الحفر باتجاه المنبع إلى البئر الأم ويبنى: على طول النفق أقنية حجرية تسهل على المياه الجريان وتحول دون تبددها. ويتطلب ذلك دراسة دقيقة لمستوى ( البئر الأم ) ولمستوى الأرض التي يراد ريها ولمقدار زاوية الميل ولا يتم ذلك – على الوجه الأكمل – إلا من قبل أناس مختصين يملكون الخبرة والمعرفة نتيجة الممارسة.
والأفلاج أنواع أبرزها:
الأولى : الأفلاج الداوودية.ويتميز هذا النوع بثبات مستوى تدفقه إلى حدٍ كبيرٍ
الثانية : الأفلاج الغيلية: وتستمد هذه مياهها من تجمع الأمطار في المستويات الأعلى للمياه الجوفية. وهي غالباً أفلاج سطحية، مكشوفة من المنبع إلى النهاية . وتتم تغذيتها من مياه الوادي.
والثالثة: الأفلاج العينية: ويقصد بها : تلك الأفلاج التي يكون مصدر مائها الينابيع والعيون.
رغم تشابه معظم الأفلاج في بعض الصفات، إلا أن هناك اختلافاً كبيراً في نواحٍ عديدة، من حيث الاتساع والعمق ونوعية المياه المتدفقة وتكويناتها ومحتوياتها وطبيعة الأرض التي تسير فيها وعليها.
ومن أهم مميزات الأفلاج استمرار تدفق المياه ليلاً ونهاراً طوال العام إلى المزارع، دون أية تكاليف باهظة أوجهد بشري
أولاً: فلج الداودي
تنسب إلى نبي الله سليمان بن داود عليه السلام اسم الفلج الداودي.
ومن أهم صفات هذه الأفلاج تدفق المياه التي تعتمد على المخازن الجوفية الهائلة المتشكلة عبر آلاف السنين، ولا تتأثر بغير ذلك من أمطار موسمية وغيرها.
ثانياً: فلج الغيلي
وهي أفلاج موسمية لا تستمر إلا في فترات معينة ومرتبطة بالمياه الجوفية المشكلة من مياه الأمطار بشكل كبير.
ومن عيوب هذه الأفلاج اعتمادها على كمية الأمطار، فإذا لم تتساقط الأمطار جفّت هذه الأفلاج وخاصة إذا انتهى المخزون الجوفي للمياه في قاعدتها قرب الجبال ومن هذه الأفلاج جبل حفيت الذي يعلو أكثر من ثلاثة آلاف قدم فوق سطح البحر، ويخزن كميات كبيرة من المياه منذ الأزمنة القديمة وتزيد كمية المياه إذا ما هطلت غزيرة .
ثالثا: فلج الحضوري
تتدفق مياه هذه الأفلاج من عمق الطبقات الجيولوجية المتكونة من الأزمنة السحيقة، وعادة ما تكون مصاحبة لمواد كبريتية وتصلح في كثير من الأحيان لعلاج بعض الأمراض مثل الروماتزم
وأبرزها ((أم سخنة )) في العين وفلج (خت) و (المهب) في رأس الخيمة.
المحور الثاني:الأفلاج في مدينة العين
أولاً: توزيعها الجغرافي
ليست الأفلاج مجرد ماء يجري في باطن الأرض من النبع حتى المزارع، وإنما هو عمل هندسي رائع يدل على الذوق الرفيع لسكانها، وأرقى ما وصل إليه الفن المعماري الهندسي الفريد من نوعه في هذا المضمار في المنطقة، وهو يدل على الجهد الكبير المبذول في غياب آلات الحفر والاستكشاف الحديثة.
ويكون مصدره الجبل أو التلال وقد يصل بُعد المناطق التي يراد الانتفاع بها إلى عشرين ميلاً ، وأحياناً تجري هذه القنوات إلى مسافة أكثر من أربعين قدماً تحت الأرض.
ويقول المؤرخ العماني بدر العميري: إن الفلج هو الماء الجاري عبر قناة مشقوقة في الأرض ومصدره الأساسي المياه الجوفية الباقية من مياه الأمطار التي تمكث في طبقات الأرض وهذه المياه المترسبة في باطن الأرض يكون مصدرها المرتفعات الجبلية التي تعتبر بمثابة خزانات ينفق مخزونها بطريقة منظمة من خلال قنوات تنساب للانتفاع بها ، فقاموا ببناء هندسي كلفهم الجهد والوقت والمال ونجحوا في عملهم الذي يوحي بأنهم كانوا مهرة في هندستها التي خلّدت لهم تاريخاً مجيداً.
أما سوزانا فتقول: بأنه لا توجد في الجزيرة العربية أنهار أو بحيرات سوى الآبار التي تجلب منها المياه العذبة للشرب، ولكن هناك بعض القنوات لإحضار المياه من الجبال وخير مثال على ذلك مدينة العين التي تحوي نظاماً لقنوات مائية تحت الأرض بدقة متناهية، تجلب المياه من جبل حفيت ومجموعة الجبال الواقعة في جنوب العين وإلى الشمال من الربع الخالي وهذا النظام معروف في الإمارات العربية بالأفلاج.
ولكن لم يقف سكان المنطقة أمام هذه التحديات مكتوفي الأيدي، وإنما استجابوا للتحدي واستخدموا عقولهم وأيديهم للاستفادة بالقدر الأقصى من المياه الجوفية المتوفرة لديهم، فكانت مياه الأفلاج هي التحدي المناسب للحصول على كفايتهم من المياه العذبة لاستمرار عجلة الحياة في منطقة العين، التي سعى أبناؤها منذ القدم إلى توفيرها، ويشهد على أعمالهم ما تبقى من قنوات الري والأفلاج .
وقد لعبت أفلاج مدينة العين دوراً كبيراً في الحفاظ على الزراعة ومدها بالماء الذي هو أساس الحياة والاستقرار البشري وتفنن القدماء في بنائها على الرغم من إمكانيتها البسيطة في إيجاد سبل للحصول على الماء اللازم لهم.
وقد ارتبط اسم قبيلة العوامر بهذا الفن؛ فامتهنوه على مر العصور، وفاقوا غيرهم فناً، ومهارة في هذا المجال فجاءت الأفلاج أحد أعمالهم التي أثبتت الفن الهندسي الفريد من نوعه لدى سكان مدينة العين الذين اعتمدوا على مياه الأفلاج اعتماداً شبه مطلق، نظراً لعدم وجود مصادر أخرى.
ولإقامة الفلج تحفر الآبار للبحث عن المنابع ( الأم ) أولاً، في صخور الجبال التي تنعدم فيها المنافذ وتنحصر بينها المياه مؤلفة هذه المستويات الجوفية المحصورة. فإذا ماحفر الإنسان البئر وثقب هذه الصخور .. أوجد للماء منفذاً تنطلق منه ، وتُعتبرُ ( منبعاً أماً) للفلج.
ويرتبط وجود الأفلاج والعيون بأمرين حيويّين
أ- وجود السلاسل الجبلية بسفوحها ومنحدراتها، ووديانها، المساعدة
ب- وجود المناخ الفصلي للأمطار، التي تسبب وجود فصل للجفاف يهدد الزرع والسكان بالعطش، فيضطر الإنسان للبحث عن الماء
إحصاء في عمان :الأفلاج القائمة 4219 . كما أحصي عدد الآبار بـ 167 ألفاً وذلك في عام1990.
خطوات بناء الأفلاج:
أولها: عملية اختيار المكان المناسب لحفر الفلج، ويجب أن تتوفر فيه عوامل جغرافية حدودها وفق ملاحظاتهم الذاتية لطبيعة بيئتهم منها: وجود مرتفعات جبلية واسعة تتخلل تضاريسها أودية تستقطب مياه الأمطار لا تكون من الصخور المانعة لتسرب المياه إلى طبقاتها التحتية
أما ثاني الخطوات فهي : عملية حفر الفلج وشق أقنيته
* فإذا توافقت حساباتهم مع ما هو مطلوب فأول خطوة يخطونها هي حفر بئريين استكشافيين . الأول عند أم الفلج المحددة والآخر عند المكان الذي سيخرج منه الفلج إلى سطح الأرض ( الشريعة).
* عملية شق الفلج من الشريعة . وفي اتجاه الأم مراعاة لميل الساقية ..
واعتبروا ماء الأفلاج بمثابة كل شيء في حياتهم فهم يشربون منه ويستظلون بظلال الأشجار التي تروى منها، ويسقون الماشية، ويستخدمونها في بناء المساكن، فالأفلاج بالنسبة لهم أساس الحياة وبدونها لا قيمة لهم.
يتغذى بعض هذه الأفلاج بالمياه من الطبقات الجيرية التي توجد بالقرب من قاعدة الجبل فعلى سبيل المثال فإن جبل حفيت ترجع تكوينات طبقاته إلى العصر الأيوسيني، أحد عصور الزمن الجيولوجي الثالث، ويبلغ سمكها حوالي (250) متر، ونوعية المياه فيها جيدة.
وتتركز أهمية مدينة العين في وقوعها بالقرب من سلاسل الجبال التي تضم مورداً من المياه العذبة، وحتى كلمة العين قد تكون مشتقة من كلمة العيون، لوجود هذه المنابع في المنطقة فسميت بالعين.
أهم الأفلاج في مدينة العين
يقارب ثلاثمائة فلج، ولكن معظمها اندثر ولم يبق منها إلا بعض الأفلاج وأهم هذه الأفلاج التي مازالت تعمل إلى يومنا الحاضر هي:
أولاً: فلج الهيلي
ثانياً: فلج القطارة
ثالثاً: فلج الجيمي
رابعاً: فلج المعترض
خامساً: فلج المويجعي
سادساً: فلج الداودي.
سابعاً: فلج العين أوالصاروخ
ثامناً: فلج مزيد
تاسعاً: فلج عين أم السخنة أو فلج زايد
ثانياً:بناء الأفلاج وصيانتها
نظراً لأن بناء الأفلاج واستخراج المياه من الأرض يحتاج إلى جهد شاق ونفقة ومهارة، مما برز معه الحاجة إلى هذا العمل، فإن ذلك أدى إلى ظهور جماعة أو قبيلة العوامر، الذين يرثون هذه الحرفة أباً عن جد.
ويعتبر العوامر من المختصصين والحاذقين في إنشاء وبناء الآبار والأفلاج في مختلف أجزاء عمان ومنطقة العين.
ونظراً لما في هذا العمل من خطورة ومشاق فإن كثيراً ما يرفض أبناء المنطقة العمل لوجود بعض الأفاعي السامة أو سقوط الأحجار أو الرمال أو الجدران الاستنادية إلى جانب بعض المخاوف من الأوهام والخرافات والمعتقدات السائدة في المنطقة منذ القديم.
الذين يحفرون الأفلاج في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية قليلون نسبياً، ولا يتوفر العدد الكافي من العمال لمثل هذه العملية لصعوبتها.
أما الذين يعملون في هذه الأعمال وهم في الغالب من العوامر فهم يتمتعون بكفاءة عالية في معرفة الينابيع تحت الأرض ويحددون أماكن الحفر وخط سير النفق.
*تحديد المصدر الرئيسي
يعين المكان المناسب من قبل الباصر ( أي الخبير في معرفة مواقع وجود المياه في باطن الأرض عن طريق الحدس والإحساس) حيث يتم حفرالبئر الأم الذي يصل عمقه إلى ما يزيد عن 20 متراً ثم يبدأ الحفر في أربعة أو خمسة آبار ولعل أهم العقبات التي قد تصادفهم وجود الصخور الصلبة والتي لابد من اختراقها، والتكوينات اللينة،وعن طريق هذه الفتحات يخرج العمال مواد الحفر التي يصادفها الحفارون أثناء عملهم في الأفلاج، وتستخدم هذ الفتحات أيضاً كنوافذ لدخول الهواء بين الفتحة الأولى والثانية حوالي (20) متراً تقريباً إلى مدى انحدار الأرض، ونوع المواد، ثم توصل هذه الآبار بعضها ببعض عن طريق نفق من تحت الأرض ويعرف بالسل وهم يحملون المصابيح والفوانيس والحبال، للتأكد من عدم إنسداد هذه القنوات وعندما يصل إلى مقصده سواء إلى المزارع، أو غيرها يبدأ بعمل السواقي أي العواميد التي تسقي النخيل، وتعمل عادة من الاسمنت والطابوق، وقد يقوم العمال بتجميع عدة أفلاج بالفلج الرئيس، وتسمى هذه الأفلاج بالسواعد.
استطاعت دولة الإمارات المحافظة على نظام الأفلاج والحد من ظاهرة التصحر رغم وقوعها جغرافيا في المناطق الجافة أو التي يكثر فيها التعرض لفترات الجفاف حيث إنه أمكن من خلال إجراء الصيانات المستمرة للأفلاج المحافظة عليها والإبقاء على المساحات التي سادتها الزراعات المستديمة.
* أما ظاهرة جفاف بعض الأفلاج فيعود إلى أسباب نجمل أبرزها في سببين:
1- عدم المداومة على الصيانة الدورية المعروفة والمتمثلة في إزالة ما يتساقط من أتربة وصخور وطين داخل أنفاق الأفلاج .
2- ندرة هطول الأمطار بالكميات الكافية لتعويض ما يضخ من مياه.
* دور العوامر في بناء فلج الصاروج
فكر زايد بن سلطان في إعادة تجديد جميع الأفلاج وصيانتها بمساعدة قبيلة العوامر المتخصصة في حفرها وصيانتها كما أمرهم بحفر فلج الصاروج الذي يعتبر من أحدث الأفلاج التي حفرها العوامر في مدينة العين، واستغرق حفر نفق واحد في فلج الصاروج يبلغ طوله كيلو متر ونصف، حوالي ثمانية عشر عاماً من الجهد الشاق والعمل المستمر حيث بدأ العمل منذ عام (1948).
ويقول العارفون بالفلج: إن فلج الصاروج كاملاً يمتد حوالي (15) كيلو متراً في حين يبلغ أقصى عمقه (22) متراً، وهو بمنتهى الدقة في الهندسة، والتصميم، ومن الجدير بالذكرأن العوامر توقفوا عن العمل حالياً حيث اهتمت الدولة بهم، وبنت لهم المدن والقرى الحديثة في أماكن وجودهم، وقدمت لهم كافة الخدمات العامة من مدارس وغيرها مما يضمن لهم الاستقرار والرفاهية، بعد أن استقرت أعداد كبيرة منهم في الوجن ، والخزنة والختم.
ثالثاً: نظام توزيع مياه الفلج
* بعد أن تبدأ مياه الفلج في الجريان يتم تقسيمها بين من شاركوا في عملية الحفر، على أساس وحدة زمنية متعارف عليها هي البادة (12 ساعة) ،أوالأثر ( نصف ساعة) وكانت مدة الأثر تحدد في النهار بواسطة الظل، وبالليل بواسطة حركة النجوم .. حيث لم يكن هناك ساعة يستدل بها على الزمن.
* وهناك استخدامات عامة لمياه الفلج لجميع سكان البلدة كمياه الشرب وتغسيل الموتى والاستحمام وسقي الحيوانات المنزلية وتكون من حق أي شخص ولو لم يكن له حصة في الفلج.
* قواعد تقسيم المياه : تقسيم المياه بين الأفراد يقوم: على علم دقيق وخبرة ومهارة، لا يتقنها إلا القليل من الناس، وتأتي بحكم الممارسة في العمل ، وتكون على ضابطين .
الأول ليلي: يعتمد على النجوم فقد حصروا عدد النجوم المتعارف عليها وقدروا الوقت والمسافة بين كل نجمتين بين طلوع كل نجم والذي يليه.
والثاني نهاري:
وقد قسموا وقت النهار إلى 24 أثراً – أي اثني عشر ساعة، ووضعوا لهذا التقسيم معياراً زمنياً وربطوه بمعيار تطبيقي على الأرض بمقياس محدد وله أوصاف محددة، ونصبوا عموداً خشبياً بطول مترين ونصف واستخدموا تحوّل ظله لتحديد المواقيت ومقدارها.
* كان زايد بن سلطان يشجع الأهالي على تطهير الأفلاج القديمة ويمد المزارعين بالمضخات والأدوات اللازمة لاستصلاح الأراضي الجديدة وزراعتها وبدأ اللون الأخضر يزحف على مدينة العين، وبذلك بدأ زايد بن سلطان يسير في خطى أسلافه السابقين وتقاليدهم في العناية بالماء ونظام الري وحفر الأفلاج اللازم لذلك فقد قام الحكام السابقون بأعمال جليلة؛ منهم الشيخ زايد بن خليفة الذي قام بإعادة بناء وتوسعة فلج الجاهلي وفلج المويجعي كما قام ابنه خليفة بن زايد ببناء فلج المسعودي.
* الأفلاج ونظام الري
أما التسهيلات العامة المقدمة لاستعمال ماء الفلج فهي: الاستعمال للشرب، ثم أحواض الاستحمام ومغاسل الموتى ويعني ذلك أن ماء الفلج مخصص للأغراض المعيشية وسقاية الحيوانات
* العريف:
تناط مسؤولية توزيع المياه ومعرفة الأوقات وحلّ الخلافات إلى شخص يسمى العريف مقابل شيء معين من ماء الفلج.
* البادة:
يعتمد التوزيع أساساً على تقسيم مياه الفلج إلى ما يعرف باسم البادة
أي أن البادة تكون مدة الواحد منها (12) ساعة وربع البادة تسمى الربيع ومدتها (3) ساعات . والبادة المملوكة يحق لصاحبها بيعها أو إيجارها.
ويجيد العريف معرفة الوقت الذي تنتهي فيه البادة وبدء البادة الأخرى.
* السدس
ينقسم السدس إلى أربعة أقسام، وكل قسم يسمى ربعة وقسموا كل ربعة إلى ستة قياسات، فالسدس معهم أربعة وعشرون قياساً، وأرباع البادة يسمونه الربيع وهو ستة أسداس السدس.
* المشاع:
أما حصة أونصيب البادة فبعضها مملوكة للمزارعين، وبعضها الآخر يطرح للاستئجار لأولئك الذين لا يملكون نصيباً وتسمى هذه المشاع.
• وهناك طريقة أخرى حيث يختار الناس لهم بقعة مستوية السطح مقابل أشعة الشمس منذ طلوعها إلى غروبها في حدود عشرة أمتار طولاً وأخرى عرضاً وغير معرضة للظل ، وينصب في وسطها عمود طوله متران ونصف.وتسمى هذه العملية((ظل العمود الخشبي))، أما في حالة عدم وجود الشمس لظروف الغيوم، فيتولى العريف الذي لديه الخبرة السابقة،
أما تقسيم المياه ليلاً فيكون بعد ظهور النجوم حيث يراعى طول الليل وقصره في هذه العملية الحسابية الدقيقة والبالغة التعقيد التي يصعب معرفتها إلا بالممارسة.
أما بعد أن ظهرت الساعة بأشكالها المختلفة، فإنها حلت تلك المشكلات القديمة للوقت
وهناك طريقة أخرى يتفق عليها المساهمون، هي توزيع الماء بتناوب ويتم بدوران الماء ولكل قطعة أرض فترة محددة لتوزيع الماء، وذلك حسب المشاركين فيه، ويساعد العريف في مسؤولياته أمين الدفتر وكاتبه والدلال الذي يساعد العريف في البيع.
* ومن عيوب هذا النظام أنه مكّن الأغنياء من المزارعين الإقطاعيين من الاستفادة من مياه الأفلاج بصورة أكبر من أولئك المزارعين الفقراء والذين لا يمتلكون إلا القليل، فكان الغني يشتري فترات زمنية أطول ويروي بها مزارعه.
* عندما علم زايد الذي اشتهر بعدله بأن السقاية في العين وضواحيها تخضع لنظام ملكية الماء، ورأى أن مياه الأفلاج مملوكة لكبار الاقطاعيين الأغنياء والذين كانوا يقومون بسقاية أراضيهم خمس مرات في الشهر الواحد، في حين لا يستطيع الفقراء الحصول عليه إلا مرة واحدة خلال عدة أشهر، وأحياناً يصعب عليهم ذلك طوال السنة، مما يؤثر على مستوى دخلهم ومزارعهم.
وهنا تدخل زايد بن سلطان شخصياً في هذه المسألة الاجتماعية الخطيرة في مدينة العين وضواحيها، وعالجها بكل حزم، وجمع أصحاب المال والأراضي من الأغنياء، وعرض عليهم أن تكون سقاية الماء من الأفلاج حرّة مشاعاً للجميع، وقال زايد بن سلطان في هذا الصدد: (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ)).
وبعد ذلك أعلن زايد بأنه قد أباح للفقراء السقاية من حقوقه الخاصة به وبأسرته من مياه الأفلاج، كما أن فلج الصاروج والذي كان يشرف على بنائه مع قبيلة العوامر كان قد اقترب من نهايته وأصبح صالحاً للاستخدام، لذا فإنه حرّم تماماً على كبار أصحاب الأراضي الإقطاعيين والمنتفعين به.
وعندما رأى الأغنياء تلك الأوامر الصادرة من زايد بن سلطان حاكم منطقة العين، رضخوا لمطالبه وأوامره وأتوا إلى زايد بن سلطان يعرضون موافقتهم على رأيه، ومن ثم أصبحت السقاية منذ عام (1966) في مدينة العين وضواحيها حرة ومشاعاً بين الجميع وخاصة الفقراء.
أعدّه: الدكتور/ أمان الدين محمد حتحات
جامعة الإمارات العربية المتحدة
كانون الثاني/ يناير2004
المحور الأول:الأفلاج؛تاريخها وأنواعها
أولاً: تاريخ الأفلاج
1 ـ تعريف الفلج
بدايات الفلج عند الإنسان :
الفلج الذي نعنى به في دراستنا هوعبارة عن مجرى ماء صغير محفور بيد الإنسان وليس طبيعياً .
الفَلَجَ- لغة – نهر صغير، والجمع: أفلاج. والجمع : أفلاج. والفلج أيضاً: تباعد ما بين الأسنان، والفَلَج: الساقية ، التي تجري.
الأفلاج مفردها ((فلج)) ولها عدة معان، فمن الناحية اللغوية تعني كلمة فلج: شق الأرض، والجدول المائي القصير، والقناة التي تروي المياه.
وكذلك تعني الظفر والفوز إذ يقال: فلج على خصمه من باب نصر، وأفلج الله عليه،
وهكذا نكتشف : أن جمع المعاني تتفرع من معنى واحد هو القسمة والتنصيف للأرض والمياه والمجاري.
وللفلج أسماء كثيرة ففي إيران يسمى القناة وفي العراق يسمى الكهريز، بينما في الإمارات وعمان يسمى الفلج.
والفلج يعني بئراً رئيسياً حفر في المناطق الجبلية إضافة إلى عدة آبار أخرى بجانبها في المياه الجوفية ثم تم الوصل بين قاع الآبار من تحت الأرض بشكل انحداري يسمح بجريان مياه الآبار بين البئر الأول وحتى البئر الأخير ثم حفرت قناة من تحت الأرض حتى يصل إلى سطح الأرض
قال أبو عبيدة : سألت الأصمعي عنها وأهل العلم من أهل الحجاز.
فقالوا : هي آبار متناسقة تحفر ويباعد ما بينها ثم يخرق ما بين كل بئرين بقناة تؤدي إلى الماء من الأولى إلى التي تليها تحت الأرض. فتجمع مياهها جارية ثم تخرج عند منتهاها فتصبح على وجه الأرض.
تعدّ أنظمة الريّ المعروفة بالأفلاج منظومة متكاملة من الأساليب والطرق التي اتبعها الإنسان ليحافظ على بقائه أمام تحدي الطبيعة له.
تحديد المكان الذي ابتكرت فيه. فقيل : إيران وقيل: في بلاد الإغريق أو في مصر الفرعونية أو روما أو الهند أو غيرها. ثم نقلت في عصور تالية – مع امتداد معالم الحضارة – من مكان إلى آخر.
إلا أن الآثار المكتشفة في نصف القرن الأخير أشارت إلى أن المكان المرجح هو المنطقة العربية الواسعة على القارتين الآسيوية والأفريقية من بقاعها. وإن العرب هم الأقدم في المنطقة كانوا أكثر من قاسى من أزمة الجفاف.
2 ـ عروبة الأفلاج
* كلما تقدم الإنسان في نموه،كانت حاجته إلى التلاحم مع الآخرين أكبر، للقيام بعمل مشترك مع الآخرين؛ ذلك لسببين:
1ـ الأول حياتي مرتبط بالماء والغذاء معاً. وهذا ما كان يدفعه للتعاون في حفر البئر ونقب النفق وبناء القناة أوالحوض.
2ـ الثاني لسبب أمني يحمي به أرضه أو قطيعه أو منجمه.
ليست الأفلاج مبتكرات حديثة وافدة مع الغزاة في غضون الألف الأخير قبل الميلاد كما يقول البعض، بل قديمة قدم الإنسان العاقل الأول، الذي كان الإنسان العربي الأول وريثه الطبيعي في المنطقة ويؤكد معظم المؤرخين والخبراء أن هذا الإنسان (العربي الأول ) كان من أوائل من اكتشف تدجين الحيوان والزراعة مثلما اكتشف معها علاقتها الوثيقة بالماء والجفاف فاستثمر ما اكتشفه خلال حياته البدائية الأولى للتلاؤم مع البيئة التي أقام بها والتي كانت مطيرة غنية بالمنابع والأنهار والبحيرات والمساقط والأشجار فلما تبدلت ظروفها الطبيعية ( الجيولوجية والتضاريسية والمناخية ) بعد انحسار موجة الجليد الرابعة وتعرض الإنسان العربي ومنطقته لفتراتٍ طويلة نسبياً من الجفاف والتصحر وقلت موارده المائية التي هي أسُّ الحياة كان لابد له من أن يستخدم كل خبراته لأن : ( الحاجة أم الأختراع)
ووجود المناخ الفصلي للأمطار تسبب في وجود فصل للجفاف يهدد الزرع والسكان بالعطش، فيضطر الإنسان للبحث عن الماء، الأمر الذي يدلّ على أن أنظمة الري – هذه – محلية لا وافدة .
وهكذا فالفلج: ليس نظاماً حديثاً مستجداً، أحضره الفرس أو الرومان في حقائبهم عند الغزو،بل أقدم من تاريخ قدوم الغزاة، أياً كانت أسماؤهم، بأكثر من ألفي سنة على الأقل. والسبب: هو أن عملية ابتكاره مرتبطة بالبيئة المحلية وخصائصها، وليس بإدارة الأقوام الطارئة .
الأفلاج( القنوات )
وما الأفلاج في عمان وأقنية انطاكية وحلب وتونس، على سبيل المثال، إلا تأكيد مازال إلى اليوم يشهد على هذه المقولة، مقولة أن أنظمة الري هذه هي من ابتكار سكان المنطقة، وأنها وجدت من قبل مئات بل آلاف السنين قبل أن يأتي الفرس أو الرومان إلى هذه المنطقة.
3 ـ صراع من أجل البقاء
أهمية الماء في حياة العرب
عرف الإنسان الأول حاجته الملحة إلى الماء عند اكتشافه الزراعة ومدى اعتماد حياته على الماء وازدهارها بوجوده وموتها بفقده فجاهد لإيصاله إلى مستوطنته بشتى الطرق المبتكرة والأساليب المتطورة حتى اهتدى إلى أعقد هذه الأنظمة في مؤسسة الفلج ذات الأقنية والأنفاق الخفية حيث منظومة متكاملة من الأساليب والطرق والأدوات التي ابتكرها الإنسان الأول بعد اكتشافه للنار والزراعة وتدجين الحيوانات. عندما – أو بعدما – داهمه الجفاف والتصحر بعد انحسار موجة الجليد الرابعة التي خفت بعدها الأمطار في مناطق استيطانه وافتقد الماء الذي به كل شيء حي فراح يبحث عنه في مواضع أخرى.
كان ذلك كله بُعَيْد التبدلات الجذرية الأخيرة ، نتيجة انسحاب موجة الجليد الرابعة، إلى مواقع جديدة في الشمال وانسحاب مواقع هبوب الرياح الغربية العكسية الممطرة معها إلى الشمال،
وأخذ الجفاف ، يداهم معظم السهوب الجنوبية الغربية الخضراء ، فبدأت تتحول إلى صحارى وأشباه صحارى وعجزت عن مدّ سكانها المتكاثرين، بحاجتهم من الماء والغذاء فكان لابد لهم، أن يبذلوا من الجهد المتميز والعمل المبتكر ، ما يعوض بعض هذا النقص، إما بالبحث عن وسائل مبتكرة، تمكنهم من الحصول على الماء، أو بالهجرة إلى أماكن أخرى، أنسب لهم، من مواطنهم التي عمّها الجفاف.
4 ـ أساطير بناء الأفلاج
لا توجد أية معلومات دقيقة موثوقة لدى أبناء المنطقة عن تاريخ بناء الأفلاج ، وكثير من أبناء المنطقة يقولون بأني نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام سخر الجن لبناء هذه القنوات، وإن هناك أسطورتين حول ذلك.
فالأولى تقول: عندما كان النبي سليمان بن داوود عليه السلام في إحدى رحلاته وهو في طريقه إلى البيت المقدس، رأى قلعة ((سلوت)) في عمان وطلب من الهدهد أن يتحرى عنها، فأخبره الهدهد بأن القلعة خالية، فنزل فيها داوود ووجد سكانها من البدو وليس لديهم ماء، فأمر الجن التي في طاعته أن تبني له ألف قناة في كل يوم من أيام إقامته والتي استمرت عشرة أيام، ومن يومها أصبح في عمان عشرة آلاف قناة.
أما الأسطورة الثانية فقد كان أبناء مدينة العين قد رووها لمحرر مجلة الهلال المصرية وجاء فيها:
بأنه أثيرت حول الأفلاج القديمة في العين أساطير وحكايات كثيرة، وأن معظم الأهالي وخاصة كبار السن يعتقدون بأن النبي سليمان بن داوود وجنوده من العفاريت قاموا بصنع تلك الأفلاج في العصور القديمة.
رواية ثالثة أن النبي سليمان بن داوود عليه السلام كان يطير ببساط الريح، ومر على فلاح يحرث أرضه بثور ضخم. وما أن رأى الثور سيدنا سليمان عليه السلام حتى توقف عن الحرث، فسأله الفلاح مندهشاً:
أيها الثور لماذا امتنعت عن الحرث؟ إنه لا يستحقق منك كل هذا التبجيل، فهو إنسان بخيل؟. وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلام هذا الفلاح، فنزل ليسأله : لماذا تصفني بالبخيل؟. فقال له الفلاح : لأنك تركت جنودك يشربون معنا ومياهنا بسيطة دون أن تنصحهم بالبحث عن مكان جديد للمياه، فقال له سيدنا سليمان عليه السلام: ولكني لاأعرف أين توجد منابع المياه الجديدة، فقال الفلاح لسيدنا سليمان عليه السلام: طائر الهدهد يستطيع أن يسمع الماء ويدلك على مكانه، وسمع سيدنا سليمان عليه السلام كلامه، واستعان بالهدهد وبالعفاريت من جنوده الذين أخذوا يبنون تلك الأفلاج ذات الأحجار الكبيرة في منطقة صحراوية تبعد الجبال عنها عدة كيلو مترات، ثم كيفية جلبها وبنائها ووضعها تحت الأرض.
وهناك قصة تقول: إنه في عهد الاحتلال الفارسي لعمان الكبرى جلب الفرس العمال المهرة من فارس لبناء هذه الأفلاج أثناء حكمهم للمنطقة، وذلك لسد احتياجاتهم من المياه العذبة، ولري المزارع المستخدمة لخدمتهم.
بعض الأقاصيص التي لا تستند إلى شاهدٌ أو أثرٌ، منها: أن الملكة هيلانة ، بنت لها أقنية وجدراً
5 ـ الأفلاج بين الجزيرة العربية والبلاد العربية
الحقيقة أن بناء الأفلاج أو حفرها يعود للألف الثالثة قبل الميلاد. اعتماداً على آثارها الباقية.
وكان سكان تلك المنطقة مهيَّئين بحكم مواهبهم الفطرية كغيرهم من الشعوب
منذ آلاف السنين لمعالجة هذه المشاكل الطارئة في مواعيدها .. وإلا تعرضوا للفناء ، بسبب الجوع والعطش.
والأفلاج موجودة في مختلف أجزاء المنطقة العربية، في شمال غرب السعودية في تيماء، وفي فلسطين وكذلك في المغرب العربي وللأستاذ محمود منسي في مجلة العربي الكويتية في عام 1997 مقالة جاء فيها : ( تحت حواري فاس ترقد قنوات للمياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت
وقد كتب( بيتر فاين ) : حقائق مماثلة عن مستوطنات أقيمت في عمان، اعتماداً على ما تم اكتشافه من مستوطنات الصيادين في منطقة ( رأس الحمراء ) قرب مسقط. أو ما اكتشف في ( هيلي – منطقة أبو ظبي) إلى جوار منطقة الظاهرة في عُمان. والتي أثبت فيها المكتشفون: إنها كانت تزاول الزراعة ، وتسقي مزروعاتها بالمياه، التي تجرها إلى هذه المستوطنات، وكمثال على قدم هذه المستوطنات وضلوعها محلياً في الزراعة أنه قد ثبت بالآثار المكتشفة: أن ( الذرة الرفيعة ) مثلاً، كانت تزرع محلياً، بكثرة ، ولم تكن مستوردة كما ظن بعضهم. وأن الآثار المكتشفة يرجع بعضها إلى العصر الحجري الحديث، قبل 9500 سنة .. وأن الصيادين كانوا يستخدمون موقع ( رأس الحمراء ) حوالي عام (6000 ق . م) وما بعدها ، وكانت المنطقة مكسوة بالغابات ( من أشجار القرم ).. وقد دلت الكشوف في مناطق متعددة من شبه جزيرة العرب، على انتشار تقاليد مشابهة. كما أكدت عمليات تحديد العمر، في موقع رأس الحمراء ، أنه كان مأهولاً طوال فترة الألف الخامس ق. م.
وكتب المهندس البلجيكي ( أندره ستيفن – Andre Stevens ) قائلاً : (( إن فكرة استيطان)) الإنسان لأرض عُمان وزراعتها بواسطة الأقنية قد وجدت آثارها، منذ الألف الثالثة ق.م: وقد أصبحت هذه المعارف من الأمور المسلم بها – اليوم – كحقيقة ثابتة. ففي عام 1973 : حددت بعثة ( هارفارد) عشرين موقعاً كان مأهولاً ومزروعاً .
وكانت البلاد تتمتع بمناخ أكثر رطوبة منذ (12 ) ألف سنة. لذلك كان مجتمعاً مركباً من المزارعين وسباكي المعادن. وأن المركز الرئيسي في هذا العصر كان في واحة البريمي ذات الموقع الممتاز والمياه الغزيرة.
استعمل سكان الصحراء القدماء أنفاقاً تحت الأرض حتى لا تتبخر المياه في أثناء مرورها تحت سطح الأرض نتيجة تعرضها للشمس، مما يعني التبخر وفقدان الكثير منها،وهي ما زالت قائمة سواء في فارس أو في الإمارات وعمان أو في حضرموت وفي العراق وبلاد الشام والمغرب العربي.
لقد حفر السكان الآبار في المناطق المرتفعة، ثم حفروا الأنفاق لجر مياهها بالراحة، إلى الأرض التي تقع في مستويات أدنى .. حتى ظهرت الأنفاق وقنواتها على سطح الأرض التي تقع في مستويات أدنى .. حتى ظهرت الأنفاق وقنواتها على سطح الأرض متحولة إلى مجرى مكشوف ، والتي ظل واحداً من أقدمها – وهو كنعاني – يعمل في فلسطين منذ الألف الثالث ق.م،
وفي فلسطين مازالت عين جيحون الباقية حيث كان الكنعانيون قد وفدوا في موجة الهجرة من شبه جزيرة العرب، قديماً جداً يقول د. أحمد سوسة : (( إنهم : من أقدم من وفد إلى بلاد الشام ، وإنهم استقروا فيها – ساحلاً وداخلاً – وبنوا المستوطنات والحصون، حيثما أقاموا. ومن جملة حصونهم التي شيدوها، في مطلع الألف الثالث قبل الميلاد :
( النفق الطويل الذي حفروه في بلدة جازر الكنعانية ) الواقعة على بعد ( 35) كم إلى الشمال الغربي من ( أورشيلم الكنعانية اليبوسية ، القدس الحالية )، للوصول إلى ينبوع من الماء يقع تحت سطح الأرض.
لقد حفروا نفقاً للوصول إلى تلك العين، على حافة ( وادي قدرون ) المعروف بوادي ستي مريم – حالياً ويمتد النفق مسافة (17 ) ياردة إلى الغرب ، بين العين والحصن، وأهم مافي هذا الأثر القديم النفق الذي حفره اليبوسيون تحت الأرض لجرِّ مياه النبع في قناته. وهذا يبرهن على ابتكار هذه الوسيلة ( التقنية ) البارعة، إنما تمَّ من قبل العرب الكنعانيين في ذلك التاريخ، إن لم يكن قبل ذلك. وهي – والحالة هذه – وسيلة أقدم من أي غزوٍ خارجي للمنطقة العربية. أياً كان مصدرها وبذلك نصل إلى أمور عدة، أبرزها:
* قدم حفر الأنفاق عند العرب والعرب الكنعانيين
* كل هذه الحقائق التاريخية تمت قبل الغزو الفارسي بألفي سنة.
* قبل الغزو المقدوني بألفين وثلاثمائة سنة.
* قبل الغزو الروماني بألفين وخمسمائة سنة.
* قبل وصول العبرانيين ( اليهود ) بألف وثمانمائة سنة.
وقد أشار إلى ذلك علماء الآثار الصهاينة إلى أن المنطقة ـ أعني منطقة القدس ـ كانت مهمة ومتطورة، قبل عهد الملك داود. واستند العلماء في إعلانهم إلى عمليات التنقيب التي أجروها في القدس الشرقية طوال عامين، وأدت إلى اكتشافهم نظاماً معقداً لجر المياه وصفوه، بأنه (( أحد الأنظمة الأكثر تعقيداً وحماية في الشرق الأوسط )) وبأنه يرجع إلى 1800 سنة قبل الميلاد أي إلى ما قبل عهد داود بـ 800 سنة حيث كان يحكم القدس اليبوسيون الكنعانيون وهم بناتها الأوائل.
و قال جدعون أفني مهندس في هيئة الآثار في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائلية 23/ 7 / 1998:
(( إن القدرة على إقامة هذه الأسوار وشبكة المياه الدقيقة التي لا مثيل لها في المنطقة تدل على قيام مدينة كنعانية مُحصّنة ومحكمة قبل ألف سنة من قدوم أبناء إسرائيل إلى كنعان. ولا شك أننا سنحتاج الآن إلى تغيير كل ما تعلمناه، وأن نعيد مجدداً كتابة تاريخننا )).
ثانياً: أنواع الأفلاج
تكوين الأفلاج :
الأفلاج: جمع فلج، وهي القنوات: ومن تعريفاتها أنها نبع ماء جوفي يتفجر في أعماق بئر يحفر خصيصاً للوصول إلى مستوى الماء الجوفي المختزن في طبقات الصخور الرسوبية(المسامية) ،. والمحصورة بين طبقات من الصخور الكتيمة ( غير المرشيحة Impermeable )التي لا تسمح للماء المختزن بالنفوذ من مواضع اختزانه . فيظل حبيس مواضعه آلاف السنين ويعرف بـ ( مستوى الماء الجوفي
وبئر الفلج ( أو القناة ) - هنا – ليس بئراً عادياً: ينزح ماؤه بالدلاء أو ( القواديس )، وإن كان – في أول الأمر – كذلك. إذ أدخلت عليه بعض التعديلات ( أو المحسنات ) أو الإضافات عصراً بعد عصر عبر آلاف السنين
تعريف دقيق لبنية الفلج
إن الفلج في الوضع الراهن – مجرد حلقة من حلقات تطورية متتالية يرتبط سابقها بلاحقها ويكون آخرها نتيجة طبيعية أو تتمة لأولها و يرتبط سابقها بلاحقها ويكون آخرها نتيجة طبيعية أو تتمة لأولها. إذ قاد حفر البئر وصعوبة رفع مائه إلى ابتكار حفر النفق بميل خفيف يسهل جريان ماء البئر فيه بالراحة في أقنية حجرية شبه أفقية تم بناؤها على امتداد النفق تمتد من البئر الأم المرتفع حيث منبع المياه إلى الأرض المروية في مستوى منخفض بحيث يتاح للماء أن يجري بالراحة حتى يصل إلى نقطة على سطح الأرض تصبح فيها القناة مكشوفة كالمنبع أو الغدير وتكون – قبل ذلك – قد اخترقت طبقات الصخور غير المرشحة ( الكتيمة ) التي كانت تحصرها في مخازنها الجوفية . ويستمر جريان ( القناة أو الساقية أو النهير ) الحر مكشوفاً وعلى الراحة حتى تصل إلى أرض القرية التي أنشئ الفلج ( أو القناة ) لإروائها.
فالفلج ( أو القناة ) : يضم شبكة من الأنفاق والأقنية الرئيسية والفرعية. مع فتحاتها ومدرجاتها – أحياناً – مصممة خصيصاً لأداء هذه الوظيفة .
والمهم عند تعيين مكان حفر البئر أن يكون في موقع أكثر ارتفاعا ًمن المستوطنة أو الأرض التي يراد ريها لكي يتاح جرها عبر الأنفاق شبه المستوية مع ميل بسيط نحو الأسفل . و تحفر هذه الآبار في المنحدرات العليا للسفح أو الهضبة ولكن أنفاقها تنتهي عند أسفل السفح مخترقة طبقات الصخور التي تعترضها وقد يكون ابتداء حفر الأنفاق من النقطة المقدرة لنهايتها ثم يسير الحفر باتجاه المنبع إلى البئر الأم ويبنى: على طول النفق أقنية حجرية تسهل على المياه الجريان وتحول دون تبددها. ويتطلب ذلك دراسة دقيقة لمستوى ( البئر الأم ) ولمستوى الأرض التي يراد ريها ولمقدار زاوية الميل ولا يتم ذلك – على الوجه الأكمل – إلا من قبل أناس مختصين يملكون الخبرة والمعرفة نتيجة الممارسة.
والأفلاج أنواع أبرزها:
الأولى : الأفلاج الداوودية.ويتميز هذا النوع بثبات مستوى تدفقه إلى حدٍ كبيرٍ
الثانية : الأفلاج الغيلية: وتستمد هذه مياهها من تجمع الأمطار في المستويات الأعلى للمياه الجوفية. وهي غالباً أفلاج سطحية، مكشوفة من المنبع إلى النهاية . وتتم تغذيتها من مياه الوادي.
والثالثة: الأفلاج العينية: ويقصد بها : تلك الأفلاج التي يكون مصدر مائها الينابيع والعيون.
رغم تشابه معظم الأفلاج في بعض الصفات، إلا أن هناك اختلافاً كبيراً في نواحٍ عديدة، من حيث الاتساع والعمق ونوعية المياه المتدفقة وتكويناتها ومحتوياتها وطبيعة الأرض التي تسير فيها وعليها.
ومن أهم مميزات الأفلاج استمرار تدفق المياه ليلاً ونهاراً طوال العام إلى المزارع، دون أية تكاليف باهظة أوجهد بشري
أولاً: فلج الداودي
تنسب إلى نبي الله سليمان بن داود عليه السلام اسم الفلج الداودي.
ومن أهم صفات هذه الأفلاج تدفق المياه التي تعتمد على المخازن الجوفية الهائلة المتشكلة عبر آلاف السنين، ولا تتأثر بغير ذلك من أمطار موسمية وغيرها.
ثانياً: فلج الغيلي
وهي أفلاج موسمية لا تستمر إلا في فترات معينة ومرتبطة بالمياه الجوفية المشكلة من مياه الأمطار بشكل كبير.
ومن عيوب هذه الأفلاج اعتمادها على كمية الأمطار، فإذا لم تتساقط الأمطار جفّت هذه الأفلاج وخاصة إذا انتهى المخزون الجوفي للمياه في قاعدتها قرب الجبال ومن هذه الأفلاج جبل حفيت الذي يعلو أكثر من ثلاثة آلاف قدم فوق سطح البحر، ويخزن كميات كبيرة من المياه منذ الأزمنة القديمة وتزيد كمية المياه إذا ما هطلت غزيرة .
ثالثا: فلج الحضوري
تتدفق مياه هذه الأفلاج من عمق الطبقات الجيولوجية المتكونة من الأزمنة السحيقة، وعادة ما تكون مصاحبة لمواد كبريتية وتصلح في كثير من الأحيان لعلاج بعض الأمراض مثل الروماتزم
وأبرزها ((أم سخنة )) في العين وفلج (خت) و (المهب) في رأس الخيمة.
المحور الثاني:الأفلاج في مدينة العين
أولاً: توزيعها الجغرافي
ليست الأفلاج مجرد ماء يجري في باطن الأرض من النبع حتى المزارع، وإنما هو عمل هندسي رائع يدل على الذوق الرفيع لسكانها، وأرقى ما وصل إليه الفن المعماري الهندسي الفريد من نوعه في هذا المضمار في المنطقة، وهو يدل على الجهد الكبير المبذول في غياب آلات الحفر والاستكشاف الحديثة.
ويكون مصدره الجبل أو التلال وقد يصل بُعد المناطق التي يراد الانتفاع بها إلى عشرين ميلاً ، وأحياناً تجري هذه القنوات إلى مسافة أكثر من أربعين قدماً تحت الأرض.
ويقول المؤرخ العماني بدر العميري: إن الفلج هو الماء الجاري عبر قناة مشقوقة في الأرض ومصدره الأساسي المياه الجوفية الباقية من مياه الأمطار التي تمكث في طبقات الأرض وهذه المياه المترسبة في باطن الأرض يكون مصدرها المرتفعات الجبلية التي تعتبر بمثابة خزانات ينفق مخزونها بطريقة منظمة من خلال قنوات تنساب للانتفاع بها ، فقاموا ببناء هندسي كلفهم الجهد والوقت والمال ونجحوا في عملهم الذي يوحي بأنهم كانوا مهرة في هندستها التي خلّدت لهم تاريخاً مجيداً.
أما سوزانا فتقول: بأنه لا توجد في الجزيرة العربية أنهار أو بحيرات سوى الآبار التي تجلب منها المياه العذبة للشرب، ولكن هناك بعض القنوات لإحضار المياه من الجبال وخير مثال على ذلك مدينة العين التي تحوي نظاماً لقنوات مائية تحت الأرض بدقة متناهية، تجلب المياه من جبل حفيت ومجموعة الجبال الواقعة في جنوب العين وإلى الشمال من الربع الخالي وهذا النظام معروف في الإمارات العربية بالأفلاج.
ولكن لم يقف سكان المنطقة أمام هذه التحديات مكتوفي الأيدي، وإنما استجابوا للتحدي واستخدموا عقولهم وأيديهم للاستفادة بالقدر الأقصى من المياه الجوفية المتوفرة لديهم، فكانت مياه الأفلاج هي التحدي المناسب للحصول على كفايتهم من المياه العذبة لاستمرار عجلة الحياة في منطقة العين، التي سعى أبناؤها منذ القدم إلى توفيرها، ويشهد على أعمالهم ما تبقى من قنوات الري والأفلاج .
وقد لعبت أفلاج مدينة العين دوراً كبيراً في الحفاظ على الزراعة ومدها بالماء الذي هو أساس الحياة والاستقرار البشري وتفنن القدماء في بنائها على الرغم من إمكانيتها البسيطة في إيجاد سبل للحصول على الماء اللازم لهم.
وقد ارتبط اسم قبيلة العوامر بهذا الفن؛ فامتهنوه على مر العصور، وفاقوا غيرهم فناً، ومهارة في هذا المجال فجاءت الأفلاج أحد أعمالهم التي أثبتت الفن الهندسي الفريد من نوعه لدى سكان مدينة العين الذين اعتمدوا على مياه الأفلاج اعتماداً شبه مطلق، نظراً لعدم وجود مصادر أخرى.
ولإقامة الفلج تحفر الآبار للبحث عن المنابع ( الأم ) أولاً، في صخور الجبال التي تنعدم فيها المنافذ وتنحصر بينها المياه مؤلفة هذه المستويات الجوفية المحصورة. فإذا ماحفر الإنسان البئر وثقب هذه الصخور .. أوجد للماء منفذاً تنطلق منه ، وتُعتبرُ ( منبعاً أماً) للفلج.
ويرتبط وجود الأفلاج والعيون بأمرين حيويّين
أ- وجود السلاسل الجبلية بسفوحها ومنحدراتها، ووديانها، المساعدة
ب- وجود المناخ الفصلي للأمطار، التي تسبب وجود فصل للجفاف يهدد الزرع والسكان بالعطش، فيضطر الإنسان للبحث عن الماء
إحصاء في عمان :الأفلاج القائمة 4219 . كما أحصي عدد الآبار بـ 167 ألفاً وذلك في عام1990.
خطوات بناء الأفلاج:
أولها: عملية اختيار المكان المناسب لحفر الفلج، ويجب أن تتوفر فيه عوامل جغرافية حدودها وفق ملاحظاتهم الذاتية لطبيعة بيئتهم منها: وجود مرتفعات جبلية واسعة تتخلل تضاريسها أودية تستقطب مياه الأمطار لا تكون من الصخور المانعة لتسرب المياه إلى طبقاتها التحتية
أما ثاني الخطوات فهي : عملية حفر الفلج وشق أقنيته
* فإذا توافقت حساباتهم مع ما هو مطلوب فأول خطوة يخطونها هي حفر بئريين استكشافيين . الأول عند أم الفلج المحددة والآخر عند المكان الذي سيخرج منه الفلج إلى سطح الأرض ( الشريعة).
* عملية شق الفلج من الشريعة . وفي اتجاه الأم مراعاة لميل الساقية ..
واعتبروا ماء الأفلاج بمثابة كل شيء في حياتهم فهم يشربون منه ويستظلون بظلال الأشجار التي تروى منها، ويسقون الماشية، ويستخدمونها في بناء المساكن، فالأفلاج بالنسبة لهم أساس الحياة وبدونها لا قيمة لهم.
يتغذى بعض هذه الأفلاج بالمياه من الطبقات الجيرية التي توجد بالقرب من قاعدة الجبل فعلى سبيل المثال فإن جبل حفيت ترجع تكوينات طبقاته إلى العصر الأيوسيني، أحد عصور الزمن الجيولوجي الثالث، ويبلغ سمكها حوالي (250) متر، ونوعية المياه فيها جيدة.
وتتركز أهمية مدينة العين في وقوعها بالقرب من سلاسل الجبال التي تضم مورداً من المياه العذبة، وحتى كلمة العين قد تكون مشتقة من كلمة العيون، لوجود هذه المنابع في المنطقة فسميت بالعين.
أهم الأفلاج في مدينة العين
يقارب ثلاثمائة فلج، ولكن معظمها اندثر ولم يبق منها إلا بعض الأفلاج وأهم هذه الأفلاج التي مازالت تعمل إلى يومنا الحاضر هي:
أولاً: فلج الهيلي
ثانياً: فلج القطارة
ثالثاً: فلج الجيمي
رابعاً: فلج المعترض
خامساً: فلج المويجعي
سادساً: فلج الداودي.
سابعاً: فلج العين أوالصاروخ
ثامناً: فلج مزيد
تاسعاً: فلج عين أم السخنة أو فلج زايد
ثانياً:بناء الأفلاج وصيانتها
نظراً لأن بناء الأفلاج واستخراج المياه من الأرض يحتاج إلى جهد شاق ونفقة ومهارة، مما برز معه الحاجة إلى هذا العمل، فإن ذلك أدى إلى ظهور جماعة أو قبيلة العوامر، الذين يرثون هذه الحرفة أباً عن جد.
ويعتبر العوامر من المختصصين والحاذقين في إنشاء وبناء الآبار والأفلاج في مختلف أجزاء عمان ومنطقة العين.
ونظراً لما في هذا العمل من خطورة ومشاق فإن كثيراً ما يرفض أبناء المنطقة العمل لوجود بعض الأفاعي السامة أو سقوط الأحجار أو الرمال أو الجدران الاستنادية إلى جانب بعض المخاوف من الأوهام والخرافات والمعتقدات السائدة في المنطقة منذ القديم.
الذين يحفرون الأفلاج في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية قليلون نسبياً، ولا يتوفر العدد الكافي من العمال لمثل هذه العملية لصعوبتها.
أما الذين يعملون في هذه الأعمال وهم في الغالب من العوامر فهم يتمتعون بكفاءة عالية في معرفة الينابيع تحت الأرض ويحددون أماكن الحفر وخط سير النفق.
*تحديد المصدر الرئيسي
يعين المكان المناسب من قبل الباصر ( أي الخبير في معرفة مواقع وجود المياه في باطن الأرض عن طريق الحدس والإحساس) حيث يتم حفرالبئر الأم الذي يصل عمقه إلى ما يزيد عن 20 متراً ثم يبدأ الحفر في أربعة أو خمسة آبار ولعل أهم العقبات التي قد تصادفهم وجود الصخور الصلبة والتي لابد من اختراقها، والتكوينات اللينة،وعن طريق هذه الفتحات يخرج العمال مواد الحفر التي يصادفها الحفارون أثناء عملهم في الأفلاج، وتستخدم هذ الفتحات أيضاً كنوافذ لدخول الهواء بين الفتحة الأولى والثانية حوالي (20) متراً تقريباً إلى مدى انحدار الأرض، ونوع المواد، ثم توصل هذه الآبار بعضها ببعض عن طريق نفق من تحت الأرض ويعرف بالسل وهم يحملون المصابيح والفوانيس والحبال، للتأكد من عدم إنسداد هذه القنوات وعندما يصل إلى مقصده سواء إلى المزارع، أو غيرها يبدأ بعمل السواقي أي العواميد التي تسقي النخيل، وتعمل عادة من الاسمنت والطابوق، وقد يقوم العمال بتجميع عدة أفلاج بالفلج الرئيس، وتسمى هذه الأفلاج بالسواعد.
استطاعت دولة الإمارات المحافظة على نظام الأفلاج والحد من ظاهرة التصحر رغم وقوعها جغرافيا في المناطق الجافة أو التي يكثر فيها التعرض لفترات الجفاف حيث إنه أمكن من خلال إجراء الصيانات المستمرة للأفلاج المحافظة عليها والإبقاء على المساحات التي سادتها الزراعات المستديمة.
* أما ظاهرة جفاف بعض الأفلاج فيعود إلى أسباب نجمل أبرزها في سببين:
1- عدم المداومة على الصيانة الدورية المعروفة والمتمثلة في إزالة ما يتساقط من أتربة وصخور وطين داخل أنفاق الأفلاج .
2- ندرة هطول الأمطار بالكميات الكافية لتعويض ما يضخ من مياه.
* دور العوامر في بناء فلج الصاروج
فكر زايد بن سلطان في إعادة تجديد جميع الأفلاج وصيانتها بمساعدة قبيلة العوامر المتخصصة في حفرها وصيانتها كما أمرهم بحفر فلج الصاروج الذي يعتبر من أحدث الأفلاج التي حفرها العوامر في مدينة العين، واستغرق حفر نفق واحد في فلج الصاروج يبلغ طوله كيلو متر ونصف، حوالي ثمانية عشر عاماً من الجهد الشاق والعمل المستمر حيث بدأ العمل منذ عام (1948).
ويقول العارفون بالفلج: إن فلج الصاروج كاملاً يمتد حوالي (15) كيلو متراً في حين يبلغ أقصى عمقه (22) متراً، وهو بمنتهى الدقة في الهندسة، والتصميم، ومن الجدير بالذكرأن العوامر توقفوا عن العمل حالياً حيث اهتمت الدولة بهم، وبنت لهم المدن والقرى الحديثة في أماكن وجودهم، وقدمت لهم كافة الخدمات العامة من مدارس وغيرها مما يضمن لهم الاستقرار والرفاهية، بعد أن استقرت أعداد كبيرة منهم في الوجن ، والخزنة والختم.
ثالثاً: نظام توزيع مياه الفلج
* بعد أن تبدأ مياه الفلج في الجريان يتم تقسيمها بين من شاركوا في عملية الحفر، على أساس وحدة زمنية متعارف عليها هي البادة (12 ساعة) ،أوالأثر ( نصف ساعة) وكانت مدة الأثر تحدد في النهار بواسطة الظل، وبالليل بواسطة حركة النجوم .. حيث لم يكن هناك ساعة يستدل بها على الزمن.
* وهناك استخدامات عامة لمياه الفلج لجميع سكان البلدة كمياه الشرب وتغسيل الموتى والاستحمام وسقي الحيوانات المنزلية وتكون من حق أي شخص ولو لم يكن له حصة في الفلج.
* قواعد تقسيم المياه : تقسيم المياه بين الأفراد يقوم: على علم دقيق وخبرة ومهارة، لا يتقنها إلا القليل من الناس، وتأتي بحكم الممارسة في العمل ، وتكون على ضابطين .
الأول ليلي: يعتمد على النجوم فقد حصروا عدد النجوم المتعارف عليها وقدروا الوقت والمسافة بين كل نجمتين بين طلوع كل نجم والذي يليه.
والثاني نهاري:
وقد قسموا وقت النهار إلى 24 أثراً – أي اثني عشر ساعة، ووضعوا لهذا التقسيم معياراً زمنياً وربطوه بمعيار تطبيقي على الأرض بمقياس محدد وله أوصاف محددة، ونصبوا عموداً خشبياً بطول مترين ونصف واستخدموا تحوّل ظله لتحديد المواقيت ومقدارها.
* كان زايد بن سلطان يشجع الأهالي على تطهير الأفلاج القديمة ويمد المزارعين بالمضخات والأدوات اللازمة لاستصلاح الأراضي الجديدة وزراعتها وبدأ اللون الأخضر يزحف على مدينة العين، وبذلك بدأ زايد بن سلطان يسير في خطى أسلافه السابقين وتقاليدهم في العناية بالماء ونظام الري وحفر الأفلاج اللازم لذلك فقد قام الحكام السابقون بأعمال جليلة؛ منهم الشيخ زايد بن خليفة الذي قام بإعادة بناء وتوسعة فلج الجاهلي وفلج المويجعي كما قام ابنه خليفة بن زايد ببناء فلج المسعودي.
* الأفلاج ونظام الري
أما التسهيلات العامة المقدمة لاستعمال ماء الفلج فهي: الاستعمال للشرب، ثم أحواض الاستحمام ومغاسل الموتى ويعني ذلك أن ماء الفلج مخصص للأغراض المعيشية وسقاية الحيوانات
* العريف:
تناط مسؤولية توزيع المياه ومعرفة الأوقات وحلّ الخلافات إلى شخص يسمى العريف مقابل شيء معين من ماء الفلج.
* البادة:
يعتمد التوزيع أساساً على تقسيم مياه الفلج إلى ما يعرف باسم البادة
أي أن البادة تكون مدة الواحد منها (12) ساعة وربع البادة تسمى الربيع ومدتها (3) ساعات . والبادة المملوكة يحق لصاحبها بيعها أو إيجارها.
ويجيد العريف معرفة الوقت الذي تنتهي فيه البادة وبدء البادة الأخرى.
* السدس
ينقسم السدس إلى أربعة أقسام، وكل قسم يسمى ربعة وقسموا كل ربعة إلى ستة قياسات، فالسدس معهم أربعة وعشرون قياساً، وأرباع البادة يسمونه الربيع وهو ستة أسداس السدس.
* المشاع:
أما حصة أونصيب البادة فبعضها مملوكة للمزارعين، وبعضها الآخر يطرح للاستئجار لأولئك الذين لا يملكون نصيباً وتسمى هذه المشاع.
• وهناك طريقة أخرى حيث يختار الناس لهم بقعة مستوية السطح مقابل أشعة الشمس منذ طلوعها إلى غروبها في حدود عشرة أمتار طولاً وأخرى عرضاً وغير معرضة للظل ، وينصب في وسطها عمود طوله متران ونصف.وتسمى هذه العملية((ظل العمود الخشبي))، أما في حالة عدم وجود الشمس لظروف الغيوم، فيتولى العريف الذي لديه الخبرة السابقة،
أما تقسيم المياه ليلاً فيكون بعد ظهور النجوم حيث يراعى طول الليل وقصره في هذه العملية الحسابية الدقيقة والبالغة التعقيد التي يصعب معرفتها إلا بالممارسة.
أما بعد أن ظهرت الساعة بأشكالها المختلفة، فإنها حلت تلك المشكلات القديمة للوقت
وهناك طريقة أخرى يتفق عليها المساهمون، هي توزيع الماء بتناوب ويتم بدوران الماء ولكل قطعة أرض فترة محددة لتوزيع الماء، وذلك حسب المشاركين فيه، ويساعد العريف في مسؤولياته أمين الدفتر وكاتبه والدلال الذي يساعد العريف في البيع.
* ومن عيوب هذا النظام أنه مكّن الأغنياء من المزارعين الإقطاعيين من الاستفادة من مياه الأفلاج بصورة أكبر من أولئك المزارعين الفقراء والذين لا يمتلكون إلا القليل، فكان الغني يشتري فترات زمنية أطول ويروي بها مزارعه.
* عندما علم زايد الذي اشتهر بعدله بأن السقاية في العين وضواحيها تخضع لنظام ملكية الماء، ورأى أن مياه الأفلاج مملوكة لكبار الاقطاعيين الأغنياء والذين كانوا يقومون بسقاية أراضيهم خمس مرات في الشهر الواحد، في حين لا يستطيع الفقراء الحصول عليه إلا مرة واحدة خلال عدة أشهر، وأحياناً يصعب عليهم ذلك طوال السنة، مما يؤثر على مستوى دخلهم ومزارعهم.
وهنا تدخل زايد بن سلطان شخصياً في هذه المسألة الاجتماعية الخطيرة في مدينة العين وضواحيها، وعالجها بكل حزم، وجمع أصحاب المال والأراضي من الأغنياء، وعرض عليهم أن تكون سقاية الماء من الأفلاج حرّة مشاعاً للجميع، وقال زايد بن سلطان في هذا الصدد: (( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ)).
وبعد ذلك أعلن زايد بأنه قد أباح للفقراء السقاية من حقوقه الخاصة به وبأسرته من مياه الأفلاج، كما أن فلج الصاروج والذي كان يشرف على بنائه مع قبيلة العوامر كان قد اقترب من نهايته وأصبح صالحاً للاستخدام، لذا فإنه حرّم تماماً على كبار أصحاب الأراضي الإقطاعيين والمنتفعين به.
وعندما رأى الأغنياء تلك الأوامر الصادرة من زايد بن سلطان حاكم منطقة العين، رضخوا لمطالبه وأوامره وأتوا إلى زايد بن سلطان يعرضون موافقتهم على رأيه، ومن ثم أصبحت السقاية منذ عام (1966) في مدينة العين وضواحيها حرة ومشاعاً بين الجميع وخاصة الفقراء.